فصل: ** ذكَرَ يَذكُر، ذِكْرًا وذُكْرًا وذِكْرى وتَذكارًا وتِذكارًا، فهو ذاكِر، والمفعول مَذْكور

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معجم اللغة العربية المعاصرة



.تفسير الآية رقم (13):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآَخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13)}
{يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ} هُم عامةُ الكفرةِ، وقيلَ اليهودُ، لما رُوِيَ أنَّها نزلتْ في بعضِ فقراءِ المسلمينَ كانُوا يواصلونَ اليهودَ ليصيبُوا من ثمارِهِم.
{قَدْ يَئِسُواْ مِنَ الأخرة} لكفرِهِم بهَا أو لعلمِهِم بأنَّه لا خلاقَ لهُمْ فيهَا لعنادِهِم الرسولَ المنعوتَ في التوراةِ المؤيدِ بالآياتِ {كَمَا يَئِسَ الكفار مِنْ أصحاب القبور} أيْ كَما يئسَ منها الذينَ ماتُوا منهُم لأنَّهم وقفُوا على حقيقةِ الحالِ وشاهدُوا حرمانَهُم من نعيمِهَا المقيمِ وابتلاءَهُم بعذابِهَا الأليمِ والمرادُ وصفهُم بكمالِ اليأسِ منهَا، وقيلَ المَعْنَى كما يئسُوا من موتاهُم أنْ يُبعثوا ويرجعُوا إلى الدُّنيا أحياءً والإظهارُ في موقعِ الإضمارِ للإشعارِ بعلةِ يأسهم.
عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قرأَ سورةَ الممتحنةِ كانَ لهُ المؤمنونَ والمؤمناتُ شفعاءَ يومَ القيامةِ».

.سورة الصف:

.تفسير الآيات (1- 3):

{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)}
{سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض وَهُوَ العزيز الحكيم} الكلامُ فيهِ كالذي مرَّ في نظيره. {يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} رُوِيَ أنَّ المسلمينَ قالُوا لو علمنَا أحبَّ الأعمالِ إلى الله تعالى لبذلنَا فيه أموالَنا وأنفسَنا فلما نزلَ الجهادُ كرهوهُ فنزلتْ وماقيل من أن النازل قوله تعالى: {إِنَّ الله يُحِبُّ الذين يقاتلون فِي سَبِيلِهِ صَفّاً} بيّن الاختلال. وروي أنهم قالوا: يا رسول الله لو نعلم أحبّ الأعمال إلى الله تعالى لسارعنا إليه، فنزلت: {هَلْ أَدُلُّكمْ على تجارة} إلى قوله تعالى: {وتجاهدون فِي سَبِيلِ الله بأموالكم وَأَنفُسِكُمْ} فولَّوا يومَ أحدٍ. وفيه التزامُ أنَّ ترتيبَ الآياتِ الكريمةِ ليسَ على ترتيبِ النزولِ وقيل لما أخبرَ الله تعالى بثوابِ شهداءِ بدرٍ قالتِ الصحابةُ اللَّهم أشهدْ لئِن لقِينا قتالاً لنُفْرغَن فيهِ وُسعنا ففرّوا يومَ أحدٍ فنزلتْ. وقيلَ إنَّها نزلتْ فيمَنْ يتمدحُ كاذباً حيثُ كانَ الرجلُ يقولُ قتلتُ ولم يقتُلْ وطعنتُ ولم يَطعنْ وهكذا، وقيلَ كانَ رجلٌ قد آذَى المسلمينَ يومَ بدرٍ ونكى فيهم فقتَلَهُ صهيبٌ وانتحلَ قتلَهُ آخرُ فنزلتْ في المنتحِلِ. وَقِيلَ نزلتْ في المنافقينَ ونداؤُهم بالإيمانِ تهكمٌ بهم وبإيمانهم وليسَ بذاكَ كما ستعرفُهُ، ولمَ مركبةٌ من اللامِ الجارةِ وما الاستفهاميةِ قد حذفتْ ألفُها تخفيفاً لكثرةِ استعمالِهما معاً كما في عَمَّ وفيمَ ونظائِرِهِما. معنَاها لأيِّ شيءٍ تقولونَ نفعلُ ما لا تفعلونَ من الخيرِ والمعروفِ على أنَّ مدارَ التعبيرِ والتوبيخِ في الحقيقةِ عدمُ فعلِهم وإنَّما وجها إلى قولِهِم تنبيهاً على تضاعفِ معصيتِهِم ببيانِ أنَّ المنكرَ ليسَ تركَ الخيرِ الموعودِ فقط بلِ الوعدَ بهِ أيضاً، وقد كانُوا يحسبونَهُ معروفاً ولو قيلَ لمَ لا تفعلونَ ما تقولونَ لفُهم منهُ أنَّ المنكرَ هُو تركُ الموعودِ {كَبُرَ مَقْتاً عِندَ الله أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} بيانٌ لغايةِ قُبحِ ما فعلوهُ وفرطِ سماجتِه. وكبُرَ من بابِ نِعْمَ وبِئْسَ فيه ضميرٌ مبهمٌ مفسرٌ بالنكرةِ بعدهُ، وأنْ تقولُوا هو المخصوصُ بالذمِّ. وقيل قُصدَ فيهِ التعجبُ من غيرِ لفظِهِ وأُسْندَ إلى أنْ تقولُوا. ونصبُ مقتاً على تفسيرِهِ دلالةٌ على أنَّ قولَهُم ما لا يفعلونَ مقتٌ خالصٌ لا شوبَ فيهِ كبُرَ عندَ من يحقرُ دونَهُ كلُّ عظيمٍ.

.تفسير الآيات (4- 5):

{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5)}
وقوله تعالى: {إِنَّ الله يُحِبُّ الذين يقاتلون فِي سَبِيلِهِ صَفّاً} بيانٌ لِما هو مرضيٌّ عنده تعالى بعد بيانِ ما هو ممقوتٌ عندهُ. وهذا صريحٌ في أنَّ ما قالُوه عبارةٌ عن الوعدِ بالقتالِ لا عما تقوَّلهُ الممتدحُ أو انتحلَهُ المنتحِلُ أو ادَّعاهُ المنافقُ وأنَّ مناطَ التعبيرِ والتوبيخِ هو إخلافُهم لا وعدُهم كما أشيرَ إليهِ. وقرئ: {يقاتَلُونَ} بفتح التاء و{يُقتلون}، و{صفاً} مصدرٌ وقعَ موقعَ الفاعلِ أو المفعولِ ونصبُهُ على الحاليةِ منْ فاعلِ يقاتلونَ أي صافِّينَ أنفسَهُم أو مصفوفِينَ. وقولُه تعالى: {كَأَنَّهُم بنيان مَّرْصُوصٌ} حالٌ من المستكنِّ في الحالِ الأُولى أي مشبهينَ في تراصِّهِم من غيرِ فُرجةٍ وخللٍ ببنيانٍ رُصَّ بعضُهُ إلى بعضٍ ورُصفَ حتى صار شيئاً واحداً. وقولُه تعالى: {وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ} كلامٌ مستأنفٌ مقررٌ لما قبله من شناعة تركِ القتالِ وإذْ منصوبٌ على المفعوليةِ بمضمرِ خوطبَ به النبيُّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ بطريقِ التلوينِ. أيْ واذكُرْ لهؤلاءِ المعرضينَ عن القتالِ وقتَ قولِ مُوسى لبني إسرائيلَ حينَ ندبَهُم إلى قتالِ الجبابرةِ بقولِهِ: {يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ التي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا على أدباركم فَتَنْقَلِبُوا خاسرين} فلم يمتثلُوا بأمرِهِ وعَصوه أشدَّ عصيانٍ حيثُ قالُوا: {قَالُوا ياموسى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حتى يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا داخلون} إلى قولِهِ تعالى: {فاذهب أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هاهنا قاعدون} وأصرُّوا على ذلكَ وآذُوه عليهِ الصلاةُ والسلامُ كلَّ الأذيةِ {ياقوم لِمَ تُؤْذُونَنِى} أي بالمخالفةِ والعصيانِ فيما أمرتكُم بهِ. وقولُه تعالَى: {وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنّى رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ} جملةٌ حاليةٌ مؤكدةٌ لإنكارِ الإيذاءِ ونفيِ سببِهِ، وقدْ لتحقيقِ العلمِ وصيغةُ المضارعِ للدلالةِ على استمرارِهِ أي والحالُ أنكم تعلمونَ علماً قطعياً مستمراً بمشاهدةِ ما ظهر بيديَّ من المعجزاتِ القاهرةِ التي معظمُها إهلاكُ عدوِّكُم وإنجاؤُكم من ملكتِهِ أنِّي رسولُ الله إليكُم لأرشدَكم إلى خيرِ الدُّنيا والآخرةِ ومن قضيةِ علمكم بذلكَ أن تبالغُوا في تعظيمي وتسارعُوا إلى طاعتِي.
{فَلَمَّا زَاغُواْ} أي أصرُّوا على الزيغِ عن الحقِّ الذي جاءَ به موسَى عليهِ السلامُ واستمرُّوا عليهِ {أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ} أيْ صرفَها عن قبولِ الحقِّ والميلِ إلى الصوابِ لصرفِ اختيارِهِم نحو الغيِّ والضلالِ. وقوله تعالى: {والله لاَ يَهْدِى القوم الفاسقين} اعتراضٌ تذييليُّ مقررٌ لمضمونِ ما قبله من الإزاغةِ، ومؤذنٌ بعلتِهِ أيْ لا يهدِي القومَ الخارجينَ عن الطاعةِ ومنهاجِ الحقِّ المُصرِّين على الغَوايةِ هدايةً موصلةً إلى البغيةِ، لا هدايةً موصلةً إلى ما يوصل إليها فإنها شاملةٌ للكُلِّ والمرادُ بهم إما المذكورونَ خاصَّة، والإظهارُ في موقعِ الإضمارِ لذمِّهم بالفسقِ وتعليلِ عدمِ الهدايةِ بهِ. أو جنسِ الفاسقينَ وهم داخلونَ في حُكمه دخولاً أولياً وأيّاً ما كانَ فوصفُهم بالفسقِ ناظرٌ إلى ما في قولِهِ تعالى: {فافرق بَيْنَنَا وَبَيْنَ القوم الفاسقين} وقولِهِ تعالى: {فَلاَ تَأْسَ عَلَى القوم الفاسقين} هذا هُو الذي تقتضيهِ جزالةُ النظمِ الكريمِ ويرتضيهِ الذوقُ السليمُ. وأما ما قيلَ بصددِ بيانِ أسبابِ الأذيةِ من أنهم كانُوا يؤذونَهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ بأنواعِ الأذَى من انتقاصِهِ وعيبِهِ في نفسِهِ وجحودِ آياتِهِ وعصيانِهِ فيما تعودُ إليهِم منافعُهُ وعبادتِهِم البقرَ وطلبِهِم رؤيةَ الله جهرةً والتكذيبِ الذي هو تضييعُ حقِّ الله وحقِّه فممَّا لا تعلقَ له بالمقامِ.

.تفسير الآيات (6- 8):

{وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)}
وقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ} إمَّا معطوفٌ على إذ الأُولى معمولٌ لعاملِهَا، وإما معمولٌ لمضمرٍ معطوفٍ على عاملِها {بَنِى إسراءيل} ناداهُم بذلكَ استمالةً لقلوبِهِم إلى تصديقه في قولِهِ تعالى: {إِنّى رَسُولُ الله إِلَيْكُم مُّصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَىَّ مِنَ التوراة} فإنَّ تصديقَهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ إيِّاها من أَقْوى الدَّواعِي إلى تصديقِهِم إيَّاه. وقولُهُ تعالَى: {وَمُبَشّراً بِرَسُولٍ يَأْتِى مِن بَعْدِى} معطوفٌ على مصدقاً أي داعٍ إلى تصديقِه عليهِ الصلاةُ والسلامُ مثلَه من حيثُ إن البشارةَ بهِ واقعةٌ في التوارةِ والعاملُ فيهما ما في الرسولِ من مَعْنَى الإرسالِ لا الجارُّ فإنَّه صلةٌ للرسولِ والصلاتُ بمعزلٍ من تضمنِ معنى الفعلِ وعليهِ يدورُ العملُ أي أرسلتُ إليكم حالَ كونِي مصدقاً لما تقدمنِي من التوارةِ ومبشراً بمنْ يأتي من بعدِي من رسولٍ {اسمه أَحْمَدُ} أي محمدٌ صلى الله عليه وسلم، يريدُ أنَّ دينيَ التصديقُ بكتبِ الله وأنبيائِهِ جميعاً ممن تقدمَ وتأخَّر. وقرئ: {منْ بعديَ} بفتحِ الياءِ {فَلَمَّا جَاءهُم بالبينات} أي بالمعجزاتِ الظاهرةِ {قَالُواْ هذا سِحْرٌ مُّبِينٌ} مشيرينَ إلى ما جاءَ به أو إليهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ وتسميتُه سحراً للمبالغةِ ويؤيدُه قراءةُ منْ قرأَ هَذا ساحرٌ {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله الكذب وَهُوَ يدعى إِلَى الإسلام} أيْ أيُّ الناسِ أشدُّ ظُلماً ممن يُدعى إلى الإسلامِ الذي يوصله إلى سعادةِ الدارينِ فيضعَ موضعَ الإجابةِ الافتراءَ على الله عزَّ وجلَّ بقولِهِ لكلامِهِ الذي هو دعاءُ عبادِهِ إلى الحقِّ هذا سحرٌ. أيْ هُو أظلمُ منْ كلِّ ظالمٍ وإنْ لم يتعرضْ ظاهرُ الكلامِ لنفي المُساوِي وقد مرَّ بيانُهُ غيرَ مرةٍ. وقرئ: {يُدّعى} يقال دَعَاهُ وادَّعاهُ مثلُ لمسَهُ والتمسَهُ {والله لاَ يَهْدِى القوم الظالمين} أي لا يرشدهُم إلى ما فيهِ فلاحُهم لعدمِ توجههم إليهِ {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ الله} أي يريدونَ أنْ يطفئُوا دينَهُ أو كتابَهُ أو حجتَهُ النيرةَ. واللامُ مزيدةٌ لما فيهَا من مَعْنَى الإرادةِ تأكيداً لها، كما زيدَتْ لِما فيها من مَعْنَى الإضافةِ تأكيداً لها في لاَ أبا لكَ أو يريدونَ الافتراءَ ليطفئُوا نورَ الله {بأفواههم} بطعنِهِم فيه، مثلتْ حالهُم بحالِ من ينفخُ في نورِ الشمسِ بفيةِ ليطفئَهُ {والله مُتِمُّ نُورِهِ} أي مبلِغُهُ إلى غايتِه بنشرِه في الآفاقِ وإعلائِهِ وقرئ: {متمٌّ} نورَهُ بلا إضافة {وَلَوْ كَرِهَ الكافرون} أي إرغاماً لهم والجملةُ في حيزِ الحالِ على ما بُينَ مراراً.

.تفسير الآيات (9- 13):

{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)}
{هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى} بالقرآنِ أو المعجزةِ {وَدِينِ الحق} والملّة الحنيفيةِ {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلّهِ} ليُعلِيَه على جميعِ الأديانِ المخالفةِ لهُ ولقد أنجزَ الله عزَّ وعلاَ وعدَهُ حيثُ جعلَهُ بحيثُ لم يبقَ دينٌ من الأديانِ إلا وهُو مغلوبٌ مقهورٌ بدينِ الإسلامِ {وَلَوْ كَرِهَ المشركون} ذلكَ. وقرئ: {هُو الذي أرسلَ نبيَّهُ} {ياأيها الذين ءامَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ على تجارة تُنجِيكُم مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} وقرئ: {تنجِّيكُم} بالتشديدِ. وقولُهُ تعالَى: {تُؤْمِنُونَ بالله وَرَسُولِهِ وتجاهدون فِي سَبِيلِ الله بأموالكم وَأَنفُسِكُمْ} استئنافٌ وقعَ جواباً عما نشأَ مما قبله كأنَّهم قالوا كيفَ نعملُ أو ماذَا نصنعُ فقيلَ تؤمنونَ بالله الخ. وهو خبرٌ في مَعْنى الأمرِ جيءَ بهِ للإيذانِ بوجوبِ الامتثالِ فكأنه قد وقعَ فأخبرَ بوقوعِهِ ويؤيدُهُ قراءةُ من قرأ {ءَامِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ وجاهدوا} وقرئ: {تُؤمِنُوا} و{تُجاهِدُوا} على إضمارِ لامِ الأمرِ {ذلكم} إشارةٌ إلى ما ذكرَ من الإيمانِ والجهادِ بقسميه وما فيه من معنى البعدِ لما مرَّ غيرَ مرةٍ {خَيْرٌ لَّكُمْ} على الإطلاقِ، أو منْ أموالِكُم وأنفسِكُم {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} أي أنْ كنتُم من أهلِ العلمِ فإنَّ الجهلةَ لا يعتدُّ بأفعالِهِم، أو إنْ كنتُم تعلمونَ أنَّه خيرٌ لكُم حينئذٍ لأنكُم إذَا علمتُم ذلكَ واعتقدتُموه أحببتُم الإيمانَ والجهادَ فوقَ ما تحبونَ أنفسَكُم وأموالَكُم فتُخلِصونَ وتفلحُونَ {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} جوابٌ للأمرِ المدلولِ عليه بلفظ الخبرِ، أو لشرطٍ أو استفهامٍ دلَّ عليهِ الكلامُ، تقديرُهُ أنْ تؤمنُوا وتُجاهِدوا أو هَلْ تقبلُونَ أن أدلكُم يغفرْ لكُمْ، وجعلُه جواباً لهَلْ أدلكُم بعيدٌ لأنَّ مجردَ الدلالةِ لا يوجبُ المغفرةَ {وَيُدْخِلْكُمْ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانهار ومساكن طَيّبَةً فِي جنات عَدْنٍ ذَلِكَ} أي ما ذكرَ من المغفرةِ وإدخالِ الجناتِ الموصوفةِ بما ذكرَ من الأوصاف الجليلةِ {الفوز العظيم} الذي لا فوزَ وراءَهُ {وأخرى} ولكُم إلى هذه النعمِ العظيمةِ نعمةٌ أُخرى عاجلةٌ {تُحِبُّونَهَا} وترغبونَ فيهَا، وفيهِ تعريضٌ بأنهم يؤثرونَ العاجلَ على الآجلِ، وقيلَ أُخرى منصوبةٌ بإضمارِ يعطكُمْ، أو تحبونَ، أو مبتدأٌ خبرُهُ {نَصْرٌ مّن الله} وهو عَلى الأولِ بدلٌ، أو بيانٌ، وعلى تقديرِ النصبِ خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ {وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} أي عاجلٌ، عطفٌ على نصرٌ على الوجوهِ المذكورةِ. وقرئ: {نصراً} {وفتحاً قريباً} على الاختصاصِ، أو على المصدرِ أيْ تُنصرونَ نصراً و{يُفتحُ لكم فَتْحاً}، أو عَلى البدليةِ من أُخرى على تقدير نصبِهَا، أي يعطكُم نعمةً أُخرى نصراً وفتحاً {وَبَشّرِ المؤمنين} عطفٌ على محذوفٍ مثل قُل يا أيُّها الذينَ آمنُوا وبشرْ، وعلى تؤمنونَ فإنَّه في معنى آمِنُوا كأنَّه قيلَ آمِنُوا وجاهِدُوا أيُّها المؤمنونَ وبشرْهُم يا أيُّها الرسولُ بما وعدتَهُم على ذلكَ عاجلاً وآجلاً.

.تفسير الآية رقم (14):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14)}
{ياأيها الذين ءامَنُواْ كُونُواْ أنصار الله} وقرئ: {أنصاراً لله} بلاَ إضافةٍ لأن المَعْنَى كونُوا بعضَ أنصارِ الله. وقرئ: {كونُوا أنتُم أنصارَ الله} {كَمَا قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيّينَ مَنْ أنصارى إِلَى الله} أي مَنْ جُندي متوجهاً إلى نصرة الله كما يقتضيهِ قولُهُ تعالى: {قَالَ الحواريون نَحْنُ أَنْصَارُ الله} والإضافةُ الأُولى إضافةُ أحدِ المتشاركينِ إلى الآخرِ لما بينهُما من الاختصاصِ، والثانيةُ إضافةُ الفاعلِ إلى المفعولِ، والتشبيهُ باعتبارِ المَعْنَى أي كونُوا أنصارَ الله كما كانَ الحواريونَ أنصارَهُ حينَ قال لهُم عيسى مَن أنصارِي إلى الله أو قُل لَهُم كونُوا كما قالَ عيسى للحواريينَ. والحواريونَ أصفياؤُه وهم أولُ من آمنَ به وكانوا إثني عشرَ رجلاً {فَئَامَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بَنِى إسرايل} أي بعِيسَى وأطاعُوه فيما أمرَهُم به من نصرة الدين {وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ} أُخرى به وقاتلوهم {فَأَيَّدْنَا الذين ءامَنُواْ على عَدُوِّهِمْ} أي قوَّيناهُم بالحجة أو بالسيفِ وذلكَ بعد رفعِ عيسى عليهِ السلامُ {فَأَصْبَحُواْ ظاهرين} غالبينَ.
عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «منْ قرأ سورةَ الصفِّ كانَ عيسى مصلياً عليهِ مستغفراً له ما دامَ في الدُّنيا وهُو يومَ القيامةِ رفيقُه».

.سورة الجمعة:

.تفسير الآيات (1- 3):

{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)}
{يُسَبّحُ لِلَّهِ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض} تسبيحاً مُستمِرَّاً {الملك القدوس العزيز الحكيم} وَقَدْ قرئ الصفاتُ الأربعُ بالرَّفعِ عَلَى المدحِ {هُوَ الذي بَعَثَ فِي الأميين} أيْ في العربِ لأنَّ أكثرَهُمْ لا يكتبونَ ولا يقرأونَ قيلَ بدئتْ الكتابةُ بالطَّائفِ أخذُوها منْ أهلِ الحيرةِ وهُمْ من أهلِ الأنبارِ {رَسُولاً مّنْهُمْ} أيْ كائناً منْ جُملتِهِم أمياً مثلَهُم {يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءاياته} مَعَ كونِهِ أمياً مثلَهُم لَم يُعهدْ منْهُ قراءةٌ ولا تعلمٌ {وَيُزَكّيهِمْ} صفةٌ أُخرى لرسولاً معطوفةٌ عَلَى يتلُوا أيْ يحملُهُم عَلى ما يصيرُونَ به أزكياءَ مِن خبائثِ العقائدِ والأعمالِ {وَيُعَلّمُهُمُ الكتاب والحكمة} صفةٌ أُخْرَى لرسولاً مترتبةٌ في الوجودِ عَلَى التِّلاوةِ وإنَّما وَسَّطَ بينَهُما التزكيةَ التي هيَ عبارةٌ عنْ تكميلِ النفسِ بحسبِ قوتِهَا العمليةِ وتهذيبِهَا المتفرعِ عَلَى تكميلِهَا بحسبِ القوةِ النظريةِ الحاصلِ بالتعليمِ المترتبِ على التلاوةِ للإيذانِ بأنَّ كلاً منَ الأمورِ المترتبةِ نعمةٌ جليلةٌ على حيالِهَا مستوجبةٌ للشكرِ فَلَو رُوعِي ترتيبَ الوجودِ لتبادرَ إلى الفهمِ كونُ الكُلِّ نعمةً واحدةً كمَا مَرَّ في سورةِ البقرةِ وهُوَ السِرُّ في التعبيرِ عن القرآنِ تارةً بالآياتِ وَأُخْرَى بالكتابِ والحكمةِ رمزاً إلى أنَّه باعتبارِ كُلِّ عنوانٍ نعمةٌ عَلى حدةٍ ولا يقدحُ فيهِ شمولُ الحكمةِ لِمَا في تضاعيفِ الأحاديثِ النبويةِ منَ الأحكامِ والشرائعِ {وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضلال مُّبِينٍ} منَ الشركِ وخبث الجاهليةِ وهو بيانٌ لشدةِ افتقارِهِم إلى مَنْ يرشدهُم وإزاحةٌ لِمَا عَسَى يتوهمُ منْ تعلُّمِهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ منَ الغيرِ، وإنْ هيَ المخفقةُ واللامُ هيَ الفارقةُ {وَءاخَرِينَ مِنْهُمْ} عطفٌ على الأميينَ أوْ عَلى المنصوبِ في يعلِّمُهُم أيْ يعلِّمُهُم ويعلِّمُ آخرينَ منهُم أيْ من الأميينَ وهُم الذينَ جَاءُوا بعدَ الصحابةِ إلى يومِ الدِّينِ فإنَّ دعوتَهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ وتعليمَهُ يعمُّ الجميعَ {لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ} صفةٌ لآخرينَ أيْ لمْ يلحقُوا بهمْ بعدُ وسيلحقونَ {وَهُوَ العزيز الحكيم} المبالغُ في العزةِ والحكمةِ ولذلكَ مكَّنَ رجلاً أمياً منْ ذلكَ الأمرِ العظيمِ واصطفاهُ منْ بينِ كافةِ البشرِ.